
هل تعرف قصة أم محمود؟
كم كانت مخيفةً تلك اللحظة! وكم كان القرار الوحيد المتاح صعبًا، وكم كان كل شيء يبدو؛ مثل حلم رهيبٍ لا يوقظها منه أحد! هذه اللحظة، هي يوم تدمّر بيت الخالة أم محمود، وتحوّل رمادًا أمام عينيها، دافنًا معه عمرًا كاملًا، دون أن يمنحها القصف فرصة الوداع، لم ترَ ملابس أبنائها التي اعتادتْ خياطتها لهم، ولا ألعابهم يوم كانوا صغارًا، لم يأكلوا مؤونة الشتاء، ولم تتمكن من حمل ماكينة الخياطة اليدوية.. والتي طالما سهرتْ معها.
اضطرت للانتقال مع عائلتها المكونة من ثمانية أفراد، نحو مدينة أرمناز، ليعيشوا ظروفًا صعبة لم يعرفوها من قبل أبدًا، ودون أي مصدرٍ للدخل، وبلا مساعدات، حتى أن زوجها عاجز ولا يستطيع العمل، وابنها تعرّض لحروق بليغة، ويحتاج علاجًا! وإذا أردنا الحديث عما كانت تحتاجه العائلة في تلك الفترة، فإننا سنحتاج سردًا طويلًا لكل أساسيات الحياة، التي تتواجد في بيوت الدنيا بشكل بديهي، وتغيب في منزل أم محمود.. بشكل لا يُحتمل!
قررت أم محمود ألا تجلس وتراقب عائلتها تعاني، فقامت بجمع مبلغ بسيط، لتشتري به آلة خياطة بسيطة، لكن قسوة الحياة، جعلت جهودها غير كافية.. مقابل متطلبات المعيشة. وقد كان من حسن حظنا أن التقينا بها في تلك الفترة، لنعرف امرأة قوية تحاول إنقاذ عائلة كاملة، فما الذي تغيّر منذ ذلك الحين؟
قمنا باستئجار محلّ لأم محمود، وتأمين آلة خياطة حديثة مع لوازم العمل كلها، وشراء فساتين لتقوم بتأجيرهم، هذا هو فقط ما قمنا به، لكنما قامت به هي.. كان أكثر بكثير!
حيث عملت أم محمود على تمكين نفسها وسط السوق، وذلك بوضع أسعارٍ رمزية في البداية، وبفتح الباب لتعليم الخياطة واستقبال المتدربات، إضافة لشراء ماكينات خياطة وبيعها، وبيع بعض لوازم الخياطة وفق ما تسمح حالتها المادية به.
ورويدًا رويدًا، استطاعت هذه الأم الرائعة، أن تنقل حياتها وحياة عائلتها، وحياة عوائل أخرى، نحو الأفضل، وإذا كانت تبرعاتكم تغيّر حياة الناس فعلًا، فإن من هم مثل أم محمود، يجعلون التغيير مستمرًا، متجددًا، ومَثار إعجابٍ للجميع!