splash-logo
Powered By
عن النّساء السوريات - بين الاختيار والاضطرار

عن النّساء السوريات - بين الاختيار والاضطرار

15 October 2022

عند الحديث عن طبيعة المجتمع السوري، وتعامله مع المسائل المتعلقة بالمرأة، يمكن القول أنه بالمجمل، وتحديداً في السياق المتعلق بهذا المقال، يغلب ألا تكون المرأة هي المعيلة للأسرة وألا تكون مسؤولة عن توفير لقمة العيش للأسرة، حيث جرت العادة في الكثير من المجتمعات المحلية في المناطق الريفية، وأيضاً لدى الكثير من الأسر المحافظة في المناطق الحضريّة والرّيفية على حدّ سواء، على أن تتقاسم المرأة مع الرجل مشاقّ الحياة، فيقوم الزوج بتحمل الأعباء المادية، بينما تقوم المرأة بتحمل أعباء المنزل والاهتمام بتربية الأطفال وتعليمهم.


إلا أنه مثل الكثير من التغيرات التي عايشها المجتمع السوري نتيجة لظروف الحرب من القتل والاعتقال والاختفاء والتهجير واللجوء، وأيضاً نتيجة لتأثير الوعي المكتسب عن طريق مواقع وسائل التواصل الاجتماعي، من الملاحظ تغير وضع المرأة السورية بشكل جذري على مدار العشر سنوات الفائتة، حيث وجدت مئات الآلاف من الّنساء السوريات أنفسهن في دور جديد، مُثقل بالتحديات والمسؤوليات التي لم يسبق لهن تحملها. 


 تقول الإحصائيات أن الكثير من النّساء السوريات حملنَ أعباء الأسرة المادية بأكملها، لترتفع بذلك نسبة النّساء المسؤولات عن توفير لقمة العيش لأسرهنّ من 4.4% في عام 2009، إلى 22.4% في عام 2020، أي أنه اليوم، يمكن القول بثقة أن أكثر من 4.5 مليون إنسان في سوريا تُعيله امرأة، وذلك فقاً لآخر إحصائيات صندوق الأمم المتحدة للسكان.


من المهم جداً التأكيد على أن عمل المرأة أو كونها مسؤولة عن إعالة أسرتها ليس مشكلة بحد ذاته، بل هو حق لها إذا كان من اختيارها. إلا أننا حين نضع هذا الأمر في سياق ما تعانيه مئات الآلاف من النّساء السوريات المهجّرات، من الاضطرار لمعيشة مُنهكة في المخيمات وعدم تمكنهن من الحصول على شهادة جامعية أو حتى مدرسية، أو عدم إتاحة الفرصة لهنّ لتعلّم حرفة يدوية، قبل أن يجدن أنفسهن وحيدات يواجهن مصائب كبيرة، في ظل تدنّي الوضع الاقتصادي في الشمال السوري وندرة الفرص، وعدم وجود مكان آمن لاحتضان الأطفال خلال ساعات العمل، بالأخص في ظل غياب الدعم والمساندة من أسر النّساء نتيجة لتشتّت الشمل. في ظل كل هذه الظروف والتحديات الثقيلة على أيّ كان، فإن عمل النّساء السوريات وترؤسهنّ لأسرهنّ يعدّ تضحية عظيمة تستحق كل التقدير والثناء والدعم! يهدف هذا المقال لعرض بعض القصص التي تؤكد ما نعرفه مسبقاً: تستحق النّساء السوريات الجبّارات والمضحيات واقعاً أفضل بكثير من الواقع المفروض عليهنّ.


خديجة امرأة سورية فقدت زوجها بعد اختفائه قسراً، تقول خديجة: "خرجتُ من منزلي بملابسي أنا وأطفالي، ولا أعلم أين هو زوجي". تعيش هذه المرأة اليوم في مخيمات عرسال بلبنان، ولم تتمكن من إكمال دراستها الجامعية بسبب ظروف التهجير، وبالتالي؛ لم تتوفر لها أي فرصة عمل لتتمكن من خلالها أن تُطعم أطفالها. وبالرغم من كونها خضعت لتدريب مهني، عبارة عن دورة خياطة لمدة ثلاثة شهور، إلا أنها - ولأسباب واضحة - لم تُفلح في تحويل ما تعلّمته لمصدر رزق. وبعد سنوات من الفقر والاعتماد على المساعدات، قررتْ أن تفتح خيمتها لاستقبال أطفال الأمهات العاملات بمقابلٍ مادي، ليكون هذا أول عمل تجني من خلاله ما يسدّ رمق أطفالها، وما يمكنها من الاعتماد على نفسها.


مسألة صعوبة إيجاد فرص عمل للنساء ليست الوحيدة، فقد فرضت مصاعب الحياة على النّساء السوريات حلولًا قاسية جداً، مثل أم محمد التي اضطرت لتزويج ابنتها ذات الثلاثة عشر عامًا، لعدم مقدرتها على الاستمرار في الإنفاق عليها. ورغم كونها تعمل في تنظيف المنازل بعد أن فقدتْ كل شيء، إلا أنّ ما تجنيه لم يكن كافيًا ليجنّبها قرارًا مؤلمًا كهذا، خاصة في ظل مرضها وفقدان المعيل بعد استشهاد زوجها. ومثل أم محمد، آلاف النّساء قد دفعتهم المعاناة لاتخاذ قرارت قد يراها البعض كارثية، ويرونها حلولًا بالنظر لحياتهم وفرصهم.


قصة أم محمد ليست استثنائية في الداخل السوري، إذ أن نجلاء أيضًا شابة كان لها نصيب من هذه الحلول القاسية، بعد أن استشهد والدها وهجّرت مع والدتها وأخواتها إلى خيمة بائسة، لكن هذا البيت القماشي ضاق بنجلاء التي كانت تبلغ خمسة عشر عامًا آنذاك. ما دفع والدتها لتزويجها، وهي بعدُ طفلة لا ترغب بأكثر من حرية الذهاب للمدرسة وتقضية الوقت مع صديقاتها. لقد صارت نجلاء أمًا لطفلين قبل أن تبلغ الثامنة عشر


أما وردة -اسم مستعار- والتي تزوجت بعمر الخامسة عشرة أيضًا، فهي تعاني التعنيف من زوجها الذي يكبرها بعشرة أعوام، ويطالبها بالتنظيف والطهو وإنجاب الأطفال. تقول وردة: "كثيرما أجلب لعبة لطفلي ثم ألعب معه، كيف أشرح لزوجي أن هذه الألعاب ما زالت تستهويني؟ وأنّ ما أريده هو العودة لمقاعد الدراسة، لا الجلوس في المنزل وتنظيفه وتهدئة الأطفال."


عدا عن الاستضعاف والتّهجير القسري والهموم المادية، فإن تحدياتٍ وهموماً أخرى تفرض نفسها عند الحديث عن وضع النّساء السوريات في العقد الأخير. فمن خلال المسح الميداني الذي يقوم به فريق ملهم بشكل دوري في المخيمات العشوائية في مناطق إدلب وريفها، بهدف تقييم الاحتياجات وبناء وإطلاق حملات استجابة لها، تبرز معاناة النّساء في أبسط الأمور اليومية لأي امرأة، وهي الأمور الصحية. فعادة ما تكون الخيم ملاصقة لبعضها، والمرافق الصحية مشتركة بين سكان المخيم بِرُمَّته، ما يحتّم عدم وجود خصوصية كافية للنساء، وصعوبة استخدامهن لهذه المرافق في جميع الأوقات، وبخاصة في أيام العادة الشهرية، ما يؤدي لالتهابات وأمراض خطرة في بعض الأحيان، كان من الممكن تفاديها لو توفرت للنساء بيئة صحية سليمة، ولو كان الحق في الوصول المياه والمرافق الصحية هو عملياً وليس فقط نظرياً حقاً مضموناً لجميع البشر، تَبَعاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2010، ولو كانت هذه المسألة لا تخضع للدعم من المنظمات الدولية التي - في الكثير من الأحيان - لها اعتبارات منفصلة عن احتياجات المجتمعات المستهدفة.


يهدف الكلام أعلاه لتسليط الضوء على ما تعانيه النّساء، دون التقليل من معاناة قاطني المخيمات العشوائية في الشمال السوري من رجال وأطفال، بل من المسلّم به أن جميع سكان المخيمات العشوائية من رجال ونساء وأطفال، يعانون إنسانياً وصحياً نتيجة لوضع المرافق والشبكات الصحية المتردّي، وقلة وصعوبة الوصول للمياه، وعدم توفر مراكز طبية قريبة، إلا أن أثر هذا الوضع على النّساء يكون مضاعفاً نتيجة لمرورهنّ بظروف صحية خاصة بالإناث، من العادة الشهرية، للولادات، بالإضافة للأمراض والالتهابات النّسائية الناتجة عن كل التحديات والمشاكل آنفة الذكر.


وفي حين أن فريق ملهم قد نفذ عدة مشاريع لتأمين المياه وخدمات الصرف الصحي للمخيمات، كما عمل على بناء نقاط طبية في عدة مخيمات، إلا أن خبرتنا على الأرض التي ناهزت العشر سنوات، أثبتت لنا، مرة تلو الأخرى، أن الحل الجذري لإنهاء جزء من هذه المعاناة يكمن في نقل جميع العوائل المهجّرة، نساءً وأطفالاً ورجالاً، من المخيمات العشوائية لبيوت تؤمن لهم، وتحديداً لهنّ، الحق الطبيعي في الخصوصية، وتحفظ كرامتهم، وهو ما يسعى الفريق لتحقيقه من خلال برنامج المأوى، وتحديداً ضمن حملة #حتى_آخر_خيمة، ولا يخفى على أيّ كان، ضرورة العمل على تكثيف الوعي لدى مجتمعاتنا حول العنف المنزلي وزواج القاصرات وغيرها من المشاكل المجتمعيّة.


وفي النهاية، من الجدير بالذكر أننا ندرك تماماً أن الحديث عن الأدوار التقليدية للمرأة والرجل في مجتمعاتنا، وعمّا يحدث في المخيمات من إنجاب الكثير من الأطفال وتزويج الفتيات القاصرات، قد يُخرج عن سياقه ويفسّر على أنه ترسيخٌ للصور النمطية عن المرأة السورية - وعلى الأرجح المرأة المسلمة أيضاً - في الإعلام، إلا أن الهدف من هذه المدونة هو تسليط الضوء على القصة بأكملها، ووضعها ضمن سياقها الصحيح بعرض الأسباب والظروف، حيث تكون المعاناة هي ما يُحرك خياراتهن الشخصية، سواءً الكبيرة منها، وحتى أدقّها وأصغرها. 


ككلمة ختامية، نودّ أن نبدي خالص تقديرنا وإجلالنا للنساء السوريات اللواتي ما زلن يعانين ويحاولن تحسين ظروفهنّ، وللنّساء السوريات اللواتي تجاوزنَ أو يعملنَ على تجاوز جميع التحديات المفروضة عليهنّ من الحكومات ومن المؤسسات المجتمعية ومن جهات أخرى، ونتذكر أيضاً 28,618 امرأة سورية استشهدت وحُرمت من تحقيق أحلامها، وفقدت قدرتها على العطاء وعلى جعل العالم من حولها مكاناً أكثر لطفاً وأماناً.. على أمل أن تكون الأيام القادمة أكثر عدلًا وإنصافًا لجميع النّساء.


كتابة وتحرير: بيان الحلبي وديالا أيمن.


Loading...Loading...Loading...Loading...